وقامت حرمة الوزير أبي محمّد عند معزّ الدولة وانبسط لسانه وجاهه وصار مقبول القول عنده بعد أن ظنّ أنّ الذي فاته من خازنه شيء لا عوض له منه أمانة وثقة ودينا. فعهدي به يقلّب تلك الآلة ويتأمّل تلك الكتابة وكانت بخطّه خط ردىء، فإذا هي أسماء قوم ورموز لا يفهم منها شيء وكانت تلك الأسماء مفردة لا يقترن بها شيء يستدلّ به على صاحبه. فلما ماتت فعلت أنا ذلك مع نفسي، فكل ليلة أضع تحت وسادتي رغيفا ثم أصبح فأتصدق به. فلما سمع النبي صلىالله عليه وسلم شعرها رق لها وقال لو سمعت شعرها قبل قتله لوهبته لها، والأثيل أيضأ موضع في ذلك الصقع أ كثره لبني ضمرة من كنانة. وقال في ذلك بعض ظرفائنا: ورشة المنيوم الرياض لو كان مكوكان في كفه من خردل ما سقطت واحدة وقال طرفة بن العبد: نحن في المشتاة ندعو الجفلى لا ترى الآدب فينا ينتقر ولما غزا بسطام بن قيس الشيباني مالك بن المنتفق الضبي وأثبته عاصم بن خليفة الضبي شد عليه فطعنه وهو يقول: وهذا وفي الجفلة لا يدعوني ويروى: في الحفلة لا يدعوني.
وكان توصّل إلى تقلد ذلك بأن خدم أرسلان الجامدار فتى معزّ الدولة ووافقه على أن يحمل إلى خزانة الأمير في كل سنة مائتي ألف درهم وكتب عليه بها كتاب وجعلت على نجوم معروفة ولم يأذن الخليفة أن يصل إليه هذا القاضي في يوم موكب ولا غيره. فخرج الناس مبادرين وتزاحموا في الأبواب فمات بالضغط جماعة من الرجال والنساء والصبيان ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون إلى أين يتوجّهون، فماتوا في الطرقات ومن وجد في المدينة آخر النهار قتل، وأخذ كل ما خلّفه الناس من أمتعتهم وأموالهم وهدم السوران اللذان على المدينة وهدمت المنازل. وكان فعل القاضي ما فعله من سماجته وقبح ذكره سببا لأن ضمّنت الحسبة ببغداد وضمّنت الشرطة بعشرين ألف درهم في كل شهر من شهور الأهلّة وهذا القاضي مع قبح فعله قبيح الصورة مشوّهها. وتقدّم ابن الفرات إلى نازوك بالركوب إلى المساجد الجامعة في الجانبين ببغداد بسبب حركة العامّة فركب في جميع جيشه من الفرسان والرجّالة والنفّاطين حتى سكّن العامّة. وكان ابن الزيات صاحب طرسوس خرج في أربعة آلاف رجل من الطرسوسيين فأوقع به الدمستق وقتل جميع من كان معه وقتل أخاه وكان ابن الزيات قد قطع الخطبة لسيف الدولة وأنفذ إليه رسلا فلمّا وقف ابن الزيات على ذلك لبس سلاحه واعتمّ وخرج إلى روشن داره وكانت داره، على شاطئ نهر، فرمى بنفسه من داره إلى النهر فغرّقها.
» فاضطرب الرجل وأنكر أن يكون له عنده مال فبطش به ولحقه أذى ومكروه ثم أمر به فحبسه وقيّده بقيد ثقيل فيه ثلاثون منّا فتفسّخ فيه الرجل ودخل إليه المستخرج وهدّده فاعترف. وفيها ورد الخبر بأنّ عبد الملك بن نوح صاحب خراسان تقطّر به فرسه فمات وافتتنت خراسان ونصب مكانه أخ له يسمّى منصور مطابخ المنيوما. وفيها دخل الأمير ركن الدولة سارية من بلد طبرستان وانصرف عنها وشمكير إلى جرجان واستأمن من أصحابه إلى ركن الدولة ثلاثة آلاف رجل. وفيها دخل ركن الدولة جرجان وذلك في المحرم. وفيها حمل إلى إبراهيم السلّار من دار السلطان خلع، وعقد له على آذربيجان. ثم اجتمع مع أهل البلد وأوقع بالقرامطة وقتل منهم وأسر ثمانين رجلا فيهم رجل يعرف بابن الغمر فقدم رسول محمّد بن ياقوت بهؤلاء الأسارى فأدخلهم مشهّرين، فوضع على رأس ابن الغمر منهم قرونا وكانوا على جمال بدراريع وديباج وبرانس حتى دخلوا دار السلطان فاعتقلوا بها. وتقلّد مكان أبي عليّ الخازن أبو محمّد عليّ بن العباس بن فسانجس للنصف من شعبان وأقطع إقطاع أبي عليّ. فلمّا أصبح أنفذ رجّالته في المدينة وكانوا ستين ألف رجل وكل من وجدوه في منزله قتلوه.
بدعة جارية غريب المغنية، بذل لسيدتها فيها مائة ألف دينار وعشرون ألف دينار من بعض من رغب فيها من الخلفاء فعرض ذلك عليها فكرهت مفارقة سيدتها، فأعتقتها سيدتها في موتها، وتأخرت وفاتها إلى هذه السنة، وقد تركت من المال العين والأملاك مالم يملكه رجل. وفيها ورد الروم عين زربة في سفح جبل والجبل مطل عليها. وفيها تقلد القاضي أبو العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب القضاء في جانبي بغداد ومدينة أبي جعفر المنصور وقضاء القضاة وخلع عليه من دار السلطان من حيث امتنع الخليفة من أن يصل إليه. وفيها وافى أبو القاسم أخو عمران مستأمنا. قام منهم بالخلافة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم طباطبا في جمادى الأولى سنة تسع وتسعين ومائة وقام باليمن في هذا العصر الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن طباطبا ودعي له بإمرة المؤمنين ومات في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين. الحادي والتسعون: اسعار شبابيك الالمنيوم حديث " من سره أن يظله الله من فور جهنم ويجعله في ظلله فلا يكن على المؤمنين غليظا وليكن بهم رحيما " ابن لال في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ وابن حبان في الثواب. وأحرقت داره كما أحرقت دار ابن مقلة في يوم أحرقت تلك فيه، سنة بينهما واحدة. كانت وفاته في هذه السنة عن تسعين سنة. ثم لم يزل يتتبع تلك الأسماء وقد صحت له الرموز فاستخرج نحو مائتي ألف دينار من هذه الوجوه سوى دفائنه.