واتفق في وزارته أن أظهر الحبشي بن معزّ الدولة عصيان أخيه وطمع في البصرة والتفرّد بها. وكان مما وفّره أبو الفضل في وزارته إقطاعات استرجعها من قوم مثل أبي الفتح أخي عمران بن شاهين ومثل أبي عبد الله الأيسر المعروف بالجبّ ثم تجرد للأهواز ومحاسبة آزاذرويه وكتّابه. اسم جزيرة في بحر المغرب يقابلها من بر إفريقية لوبيا وهي جزيرة كبيرة فيها مدن وقرى وينسب إليها جماعة من العلماء قال أحمد بن يحيى بن جابر غزا جنادة بن أبي أمية الأزدي بعد فتحه جزيرة أرواد في سنة 54 في أيام معاوية ثم غزا أقريطش فلما كان في أيام الوليد فتح بعضها ثم أغلق وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد ففتح بعضها ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالاقريطشي فافتتح منها حصنا واحدا ونزله ثم لم يزل يفتح شينا بعد شيء حتى لم يبق فيها من الروم أحدا وخرب حصونهم وذلك في سنة 210 في أيام المأمون، وقال غير البلاذري فتحت أقريطش في أول أيام المأمون وقيل فتحت بعد 250 على يد عمر بن شعيب المعروف بابن الغليظ وكان من أهل قرية بطروح من عمل فحص البلوط من الأندلس وتوارثها عقبه سنين كثيرة، وقال ابن يونس كان أول من افتتحها شعيب بن عمر بن عيسى وكان سمع يونس بن عبد الأعلى وغيره بمصر ثم ندب لفتحها فسار إليها حتى افتتحها وكانت من أعظم بلاد المسلمين نكاية على الروم إلى أن أناخ عليها تغفور بن الفقاس الدمستق في خلافة المطيع وتملك أرمانوس بن قسطنطين في آخر جمادى الأولى سنة 349 في اثنين وسبعين ألفا منهم خمسة آلاف فارس ولم يزل محاصرا لها حتى فتحها عنوة بالحرب والجوع في نصف المحرم سنة 350 فقتل ونهب وسبى وأخذ صاحبها عبد العزيز بن شعيب من ولد أبي حفص عمر بن عيسى الأندلسي وأمواله وبني عمه وحمل ذلك كله إلى القسطنطينية وقيل إنه حمل إلى القسطنطينية من أموالها وسبي أهلها نحو من ثلاثمائة مركب وهدموا حجارة المدينة وألقوها في المينا الذي دخلت مراكبهم فيه لئلا يدخل فيه بعدهم عدو وهي إلى الآن بيد الأفرنج، ونسب إليها بعض الرواة منهم محمد بن عيسى أبو بكر الأقريطشي حدث بدمشق عن محمد بن القاسم المالكي روى عنه عبد الله بن محمد النسائي المؤدب قاله أبو القاسم.
وأما الطسوج. بوزن سبوح وقدوس فهو أخص وأقل من الكورة والرستاق والاستان كأنه جزء من أجزاء الكورة كما أن الطسوج جزء من أربعة وعشرين جزأ من الدينار لأن الكورة قد تشتمل على عدة طساسيج وهي لفظة فارسية أصلها تسو فعربت بقلب التاء طاء وزيادة الجيم في اخرها وزيد في تعريبها بجمعها على طساسيج وكثر ما تستعمل هذه اللفظة في سواد العراق وقد قسموا سواد العراق على ستين طسوجا أضيف كل طسوج إلى اسم وقد ذكرت في مواضعها من كتابنا ياسقاط طسوج. وقد ظهر كذب هذا القول. وطغى البريدي بعد ذلك وشهّر نفسه بالعصيان وقد كانت نفسه ضعيفة فيما ارتكبه من أمر ياقوت فقوّاها أخوه أبو يوسف حتى جهّز إليه العساكر وقتله. « قتلتموه والله لتقتلنّ كلّنا فأقلّ ما يكون أن تظهروا بأن ذلك جرى بغير قصد منكم ولا أمر به وأن تنصبوا في الخلافة ابنه أبا العبّاس فإنّه تربيتي وإذا جلس في الخلافة سمحت نفس جدّته والدة المقتدر وإخوته وغلمان أبيه بإخراج المال. ثم أمر وزيره أبا الفضل أن ينحدر إلى الجامدة وطفوف البطيحة وبنى أمره معه على أن يسدّ أفواه الأنهار ومجاري المياه إلى البطيحة ويعدل بها إلى غيره وأن يبنى مسنّاة عظيمة يمكن سلوك الديلم عليها مشيا إلى معقله وهذا ضد ما بنى عليه أمره في الابتداء ولا يشبه الحيلة التي تؤدى إلى إرهاق العدوّ ومنعه من الفكر.
وشخص إلى الكوفة لتقرير أمور المقطعين بسقى الفرات فاجتهد له شيرزاد في الوزارة حتى أنعم له وبلغ أبا الفرج ذلك فشمّر عن ساقه في فسخ نيّة بختيار وزعم أنّ الذي ذكره أبو الفضل من عجز الدخل عن الخرج لا حقيقة له وأنّ الأموال التي استخرجها ومشّى بها الأمور إنّما كانت من مصادرات الناس ومن بقايا في النواحي وأنّه لم يؤثّر أثرا ولا فتح فتحا ولا استحقّ من المراتب ما لا يستحقّ مثله. له حكايات تدل على بذله وإعطائه الأموال الجزيلة، ومع هذا كان قد جمع شيئا كثيرا، وجد له في مطمورة ألوف من الذهب، كان كل يوم إذا دخلها ألقى فيها ألف دينار، فلما امتلأت طمها، فلما صودر دل عليها فاستخرجوا منها مالا كثيرا جدا. وقلد أبا الفضل الوزارة وخلع عليه القباء والسيف والمنطقة المحلّيين بالذهب وحمله على فرس بمركب ذهب وأقطعه إقطاعا بخمسين ألف دينار على رسم الوزراء وضم إليه عددا كثيرا من الديلم على رسوم الوزراء. واحتاج أبو تغلب إلى مداراة السلطان وتجديد عقد الضمان والتماس الخلع والعهد والعقد ليحتجّ بذلك على الجند ويستظهر به على إخوته المخالفين والموافقين، فأنفذ كاتبه أبا الحسن عليّ بن عمرو بن ميمون حتى أخذ له من السلطان ذلك، وبذل لبختيار ألف ألف ومائتي ألف درهم في كلّ سنة على الرسم وانصرف إلى صاحبه بقضاء حاجاته قرير العين بما تمّ على يده غير مفكر في شيء مما كان يهمّ به.
ثم سأل في هذا الكتاب أن تسلّم إليه المدينة ويخلّى بينه وبين تدبيره وأن يواقف على ارتفاعه ويحتسب له بنفقاته التي تخصّه وبأموال الجند المقيمين بحضرته وإن بقيت بقية سبّب عليه ليزيح العلّة فيها. قد ذكرنا ما كان من أبي الفضل العباس بن الحسين من تمشيته للأمور في السنة التي مدّ يده فيها إلى الحاشية وما وجده في النواحي وما تأوّل به على العمّال حتى أرضى الجند. وأما أبو الفضل فإنّه وضع من الأصول ما نسبه إلى المنكسر وما ينظر به للضمناء واعتدّ بالزاجى دون التاوي واستظهر في تقدير النفقات الحادثة وزاد في مبلغه حتى أوجب في عمله عجزا في الدخل عن الخرج. وكتب إليه بختيار بالتأنيس والاستمالة والمعاتبة اللطيفة وأعلمه أن وزيره العباس بن الحسين شاخص إلى الأهواز وأنه سيراسله منها ويبلغ محابّه في الأمور التي التمسها. فاستطال على بختيار وانطلق لسانه وزعم أنّه قد أظهر الكفاية التي وعده بها وذكر أنّ دخل المملكة يعجز عن خرجها وأنّه إن قلّد الوزارة جبر هذا العجز وقام بالأمر كما قام به في تلك السنة وضمن لشيرزاد إذا تمّم له الوزارة مآلا.