وكان يشقّ على سهلان بن مسافر لما في نفسه من حسنويه ولأنّه يحبّ الانتقام منه ويكره أن ينصرف مثل ذلك العسكر عنه ولم يؤثّر في أمره أثرا يسمع به وليّه وعدوّه إلّا أنّ أبا الفتح كان يرى أنّ مقاربة حسنويه والعود إلى صاحبه ببابه لم يثلم عسكره ولا خاطر بهم وأن يلحق مكانه من الوزارة قبل أن يطمع فيه أولى وأشبه بالصواب - وقد كان أبو عليّ محمد بن أحمد خليفة أبيه قد تمكن من ركن الدولة وقبل ذلك ما عرفه بالكفاية والسداد - فسفر المتوسطون بينه وبين حسنويه إلى أن تقرّر أمره على خمسين ألف دينار ينكسر بعضها وجبى كورة الجبل وجمع من الدواب والبغال وسائر التحف ما بلغ مقداره مائة ألف دينار ووردت عليه كتب ركن الدولة بما قوّى نفسه وشدّ منّته وأحمد جميع ما كان دبّره وأمر بالعود إلى الحضرة بالريّ. وسار الوزير ومعه ابنه أبو الفتح وكان شابّا قد خلف أباه بحضرة ركن الدولة وعرف تدبير المملكة وسياسة الجند فهو بذكائه وحدّة ذهنه وسرعة حركته قد نفق نفاقا شديدا على ركن الدولة وهو مع ذلك لقلّة حنكته ونزق شبابه وتهوره في الأمور يقدم على ما لا يقدم عليه أبوه ويحبّ أن يسير في خواص الديلم ويمشون بين يديه ويختلط بهم اختلاط من يستميل بقلوبهم ويخلع عليهم خلعا كثيرة ويحمل رؤساءهم وقوّادهم على الخيول الفرّه بالمراكب الثقال ويريد بجميع ذلك أن يسلموا له الرئاسة حتى لا يأنف أحد من تقبيل الأرض بين يديه والمشي قدّامه إذا ركب وكان جميع ذلك مما لا يؤثره الأستاذ الرئيس ولا يرضاه لسيرته وكان يعظه وينهاه عن هذه السيرة ويعلمه أنّ ذلك لو كان مما يترخص فيه لكان هو بنفسه قد سبق إليه.
ثم قال: صيانة شبابيك المنيوم الرياض إنك لو فتشت نسب أجل من فيهم من الثناء والتجار لم يكن بد من أن تجد أصل نسبه حائكا أويهوديا، وقال بعض من جال البلدان إنه لم ير مدينة أكثر زان وزانية من أهل أصبهان قالوا ومن كيموس هوائها وخاصيتها أنها تبخل فلا تر بها كريما. ثمّ إنّ الدّول القديمة الكثيرة الجنود المتّسعة الممالك كانوا يقسمون الجيوش والعساكر أقساما يسمّونها كراديس ويسوّون في كلّ كردوس صفوفه وسبب ذلك أنّه لمّا كثرت جنودهم الكثرة البالغة وحشدوا من قاصية النّواحي استدعى ذلك أن يجهل بعضهم بعضا إذا اختلطوا في مجال الحرب واعتوروا مع عدوّهم الطّعن والضّرب فيخشى من تدافعهم فيما بينهم لأجل النّكراء 156 وجهل بعضهم ببعض فلذلك كانوا يقسمون العساكر جموعا ويضمّون المتعارفين بعضهم لبعض ويرتّبونها قريبا من التّرتيب الطّبيعيّ في الجهات الأربع ورئيس العساكر كلّها من سلطان أو قائد في القلب ويسمّون هذا التّرتيب التّعبئة وهو مذكور في أخبار فارس والرّوم والدّولتين وصدر الإسلام فيجعلون بين يدي الملك عسكرا منفردا بصفوفه متميزا بقائده ورايته وشعاره ويسمّونه المقدّمة ثمّ عسكرا آخر ناحية اليمين عن موقف الملك وعلى سمته يسمّونه الميمنة ثمّ عسكرا آخر من ناحية الشّمال كذلك يسمّونه الميسرة ثمّ عسكرا آخر من وراء العسكر يسمّونه السّاقة ويقف الملك وأصحابه في الوسط بين هذه الأربع ويسمّون موقفه القلب فإذا تمّ لهم هذا التّرتيب المحكم إمّا في مدى واحد للبصر أو على مسافة بعيدة أكثرها اليوم واليومان بين كلّ عسكرين منها أو كيفما أعطاه حال العساكر في القلّة والكثرة فحينئذ يكون الزّحف من بعد هذه التّعبئة وانظر ذلك في أخبار الفتوحات وأخبار الدّولتين بالمشرق وكيف كانت العساكر لعهد عبد الملك تتخلّف عن رحيله لبعد المدى في التّعبئة فاحتيج لمن يسوقها من خلفه وعيّن لذلك الحجّاج بن يوسف كما أشرنا إليه وكما هو معروف في أخباره وكان في الدّولة الأمويّة بالأندلس أيضا كثير منه وهو مجهول فيما لدينا لأنّا إنّما أدركنا دولا قليلة العساكر لا تنتهي في مجال الحرب إلى التناكر بل أكثر الجيوش من الطّائفتين معا يجمعهم لدينا حلّة 157 أو مدينة ويعرف كلّ واحد منهم قرنه ويناديه في حومة الحرب باسمه ولقبه فاستغنى عن تلك التّعبئة.
وأما ما شاهدته منذ مدة صحبتي إيّاه - وكانت سبع سنين لازمته فيها ليلا ونهارا - أنّه ما أنشد شعر قطّ لم يحفظ ديوان صاحبه ولا غرّب عليه بشعر قديم ولا محدث ممن يستحق أن يحفظ شعره. وكان المطيع لله أعدّ لنفسه حديديا استظهر به عند حدوث الفتنة فانحدر مع المنحدرين فأنفذ سبكتكين عدّة من الزبازب حتى ردّوه إلى داره ووكل به فيها توكيلا جميلا. » فهذا ما حدثني به هذا الرجل وكان أديبا كاتبا. فما هو إلّا أن يفارق مجلسه ذاك حتى يعاود سيرته تلك فأشفق الأستاذ الرئيس في سفرته هذه أن يتركه بحضرة صاحبه فيلج في هذه الأخلاق ويغترّ بما يراه من احتمال ركن الدولة حتى ينتهى إلى ما لا يتلافاه فسيّره معه واستخلف بحضرة ركن الدولة أبا عليّ محمد بن أحمد المعروف باب المنيوم للحمامن البيع، وكان فاضلا أديبا ركينا حسن الصورة مقبول الجملة حسن المخبر خلقا وأدبا. الأدوات المنزلية: اختيار الأدوات المناسبة يمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا في تجربة الطهي. تكنولوجيا المطابخ تشهد تطورًا مستمرًا، مما يجلب معه مجموعة من الابتكارات الرائعة التي تجعل تجربة الطهي والتحضير في المطبخ أكثر سهولة وراحة. « كنت أروّى ابني أبا القاسم القصائد الغريبة من دواوين القدماء لأنّ الأستاذ الرئيس كان يستنشده إذا رءاه وكان لا يخلو إذا أنشده من رد عليه في تصحيف أو لحن مما يذهب علينا.
ثم زاد الأمر وبلغ إلى أن أمر حسنويه الأكراد أن يحمل كلّ فارس منهم على رأس رمحه ما أطاق من الشوك والعرفج ويقرب من معسكر سهلان ما استطاع ويطرحه هناك ففعلوا ذلك وهم لا يدرون ما يريد بذلك فلما اجتمع حول عسكر سهلان شيء كثير في أيام كثيرة تقدم بطرح النار فيه من عدّة مواضع فالتهب وكان الوقت صيفا وحميت الشمس عليهم مع حرّ النهار فأخذ بكظمهم وأشرفوا على التلف فصاحوا وطلبوا الأمان فرفق بهم وأمسك عمّا همّ به. فكان ذلك يشق عليّ وأحبّ أن تصح له قصيدة لا يعرفها الأستاذ الرئيس أو لا يردّ عليه فيها شيئا. ثم استزاد فأنشده القصيدة الأخرى فأسقط فيها كما أسقط في الأولى واستدركه عليه أيضا. وكان يورد عليه مثل هذا الكلام حتى يظنّ أنّه قد ملأ قلبه رعبا وأنّه سيكفّ عن السيرة التي شرع فيها. » فأمسك حتى نزل في معسكره ثم سأل عمن جرت العادة باستدعائه للطعام وكان يحضره كل يوم عشرة من القوّاد على مائدته التي تخصّه وعدّة من القوّاد على أطباق توضع لهم وذلك على نوبة معروفة يسعى فيها نقباؤهم.