ولمّا اتصل بسيف الدولة خبر إصعاده رحل من باب حرب مع من انضمّ إليه من قوّاد الحضرة وفيهم أبو عليّ الحسن بن هارون. وجاء سيف الدولة في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان إلى باب حرب، فنزل في المضارب وعليه وعلى أصحابه أثر الضرّ الشديد لما لحقهم في البرّية، وخرج إليه أصحابه ومن يريد الإثبات وجرت بينه وبين المتقي لله رسائل على يد أبي زكرياء السوسي وطالب بأن يحمل إليه مال، ووعد أن يقاتل توزون إن ورد الحضرة. وخلع المتقي لله على الوزير أبي الحسين بن مقلة يوم السبت لاثنى عشر بقيت من شهر رمضان. وقد نسب إليه جواز وضع الأحاديث على الرسول وأصحابه وغيرهم، وهو محمد بن كرام - بفتح الكاف وتشديد الراء، على وزن جمال - بن عراف بن حزامة بن البراء، أبو عبد الله السجستاني العابد، يقال: ورشة المنيوم الرياض إنه من بني تراب، ومنهم من يقول: محمد بن كرام - بكسر الكاف وتشديد الراء - وهو الذي سكن بيت المقدس إلى أن مات، وجعل الآخر شيخا من أهل نيسابور، والصحيح الذي يظهر من كلام أبي عبد الله الحاكم وابن عساكر أنهما واحد، وقد روى ابن كرام عن علي بن حجرد، وعلي بن إسحاق الحنظلي السمرقندي، سمع منه التفسير عن محمد بن مروان عن الكلبي، وإبراهيم بن يوسف الماكناني، وملك بن سليمان الهروي، وأحمد بن حرب، وعتيق بن محمد الجسري، وأحمد بن الأزهر النيسابوري، وأحمد بن عبد الله الحوبياري، ومحمد بن تميم القارياني، وكانا كذابين وضاعين وغيرهم.
ابن سليمان بن مخلد بن إبراهيم بن مروز أبو القاسم المعروف بابن حبابة، روى عن البغوي وأبي بكر بن أبي داود وطبقتهما، وكان ثقة مأمونا مسندا، ولد ببغداد سنة تسع وتسعين ومائتين، ومات في جمادى الأولى من هذه السنة عن تسعين سنة، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الأسفراييني شيخ الشافعية، ودفن في مقابر جامع المنصور مطابخ المنيوم. وينسب إليها عمر بن داود بن سلمون بن داود أبو حفص الأنطرطوسي قدم دمشق وحدث عن خيثمة بن سليمان والحسين بن محمد بن داود مأمون ومحمد بن عبيد الله الرفاعي وأبي بكر محمد بن الحسن بن أبي الذيال الجوازي الأصبهاني وجماعة كثيرة روى عنه أبو علي الأهوازي وأبو الحسين بن الترجمان وأحمد بن الحسن الطيان وكان يقول ختمت اثنين وأربعين ألف ختمة ومولده سنة 295 ومات 390 قال وتزوجت بمائة امرأة واشتريت ثلاثمائة جارية، وعيسى بن يزيد أبو عبد الرحمن الأنطرطوسي الأعرج حدث عن الأوزاعي وأبى علي أرطأة بن المنذر روى عنه محمد بن مصفى الحمصي وعبد الوهاب بن الضحاك وقال أبو أحمد الحاكم حديثه ليس بقائم وعبد الله بن محمد بن الأشعث أبو الدرداء الأنطرطوسي حدث عن إبراهيم بن المنذر الحزامي وإبراهيم بن محمد بن عبيدة المددي الحمصي روى عنه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الضبي الأصبهاني المعروف بالأرزباني وسليمان بن أحمد الطبراني قاله أبو القاسم الحافظ الإمام، وأنس بن السلام بن الحسن بن الحسن بن السلام أبو عقيل الخولاني الأنطرطوسي حدث بدمشق سنة 279 عن عيسى بن سليمان الشيرازي ومخلد بن مالك الحراني وأيوب بن سليمان الرصافي المعروف بابن مطاعن وجماعة كثيرة روى عنه أبو القاسم بن أبي العقب وأبو الحسن بن جوصا وسليمان بن أحمد الطبراني وأبو أحمد بن عدي وغيرهم.
فأمّا الكوفي فإنّه لحق بسيف الدولة وهرب معه فكان مدّة نظر الوزير أبي الحسين ابن مقلة في الأمور إلى أن ينظر فيها أبو جعفر الكرخي نحو شهر. وصار أبو جعفر الكرخي كاتب توزون ينظر في الأمور كما كان الكوفي ينظر فيها. يستخدم فيها أكبر وأحدث أنواع أدوات التركيب التي تناسب مختلف أنواع المطابخ ولا تسبب أي خدش أو كسر في أجزاء المطابخ. وأما الأخماس. فمنها خمس الغنيمة التي كان يأخذها النبي ﷺ ومنها أخماس المعدن واشتقاقه من عدن بالمكان إذا أقام به وثبت وكان ذلك لازما له كمعدن الذهب والفضة والحديد والصفر وما يستخرج من تراب الأرض بالحيلة أبدا ففيه الخمس، ومنها سيب البحر وهو ما يلقيه كالعنبر وما أشبهه فكأفه عطاء البحر في الخمس، ومنها ما يأخذه العشار من أموال المسلمين وأهل الذمة والحرب التي يتردد بها في التجارات، ثم نقول الآن قال أهل العلم أيما أهل حصن أعطوا الفدية من حصنهم ليكف عنهم ورأى الامام ذلك حظا للدين والاسلام فتلك المدينة للمسلمين فإذا ورد الجند على حصن وهم في منعة لم يظهر عليهم بغلبة لم تكن تلك الفدية غنيمه للذين حضروا دون جماعة المسلمين وكل ما أخذ من أهل الحرب من فدية فهي عامة وليست بخاصة من حضر وقال يحيى بن ادام سمعت شريكا يقول إنما أرض الخراج ما كان صلحا على الخراج يؤدونه إلى المسلمين قال يحيى فقلت لشريك فما حال السواد قال هذا أخذ عنوة فهو فيء ومنهم تركوا فيه فوضع عليهم شيء يؤدونه قال وما دون ذلك من السواد فيء وما وراءه صلح.
« إني راغب فيك مائل إليك محبّ لتقليدك، ولكن ليس يجوز أن أبتدئ بذكرك فأصلح أمرك مع الترجمان وقل له يسمّيك مع جماعة فإني أختارك من بينهم. لمّا حصل توزون ببغداد خلع المتقى عليه وعقد له لواء وقلّده إمرة الأمراء. فانحدر توزون إلى واسط وخلّف الترجمان ببغداد وتقدّم إلى أبي جعفر الكرخي أن يلحق به، وضمّن ضياعه أبا الحسين ابن مقلة برغبة منه إليه بمائة وثلاثين ألف دينار في السنة. ودخل محمّد بن ينال الترجمان آذنا لتوزون إلى بغداد لستّ بقين من شهر رمضان ودخل توزون من الغد ونزل دار مونس واغتنم البريدي بعد توزون من واسط، فوافاها لثلاث بقين من شهر رمضان، فنهب وأحرق واحتوى على الغلات وأخذ جميعها وقبض توزون على أبي عمرو المسيحي كاتبه وقلّد كتابته أبا جعفر الكرخي وسلّم أبو إسحاق القراريطي إلى الوزير أبي الحسين ابن مقلة فصادره. فحمل إليه المتقى أربعمائة ألف درهم في دفعات وانضمّ إليه كلّ من بقي بالحضرة من القوّاد وما زال يقول في مجلسه: « ما أنصفنا أبو الوفاء توزون حيث كبسنا في الليل ونحن نيام وإلّا فليحضر نهارا ونحن مستيقظون.