« تقول لمولانا أمير المؤمنين عني، بأنّى أرضى أن أكون معتقلا في دار أمير المؤمنين كما اعتقل فيها عليّ بن عيسى ويناظرني الوزير والمحسّن والكتّاب بحضرة الفقهاء والقضاء ووجوه القوّاد، فإن وجب عليّ مال خرجت منه بعد أن أكون مالكا لاستيفاء حججي ومحروسا في نفسي ولم يمكّن المحسّن من دمى فيجازينى على المكاره التي كنت أوقعها به في طاعة مولانا أمير المؤمنين وهو شابّ وأنا شيخ قد بلغت هذه السنّ العالية واليسير من المكروه يتلفنى. وقال: أحذركم عاقبة الفراغ فإنه أجمع لأبواب المكروه من الشغل. إليه وركب هو وابن عمّه المسمّى: المدّثّر والمطوّق صاحبه وغلام له روميّ وأخذ دليلا وسار يريد الكوفة عرضا في البرّيّة حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدالية من أعمال الفرات وقد نفد ما كان معهم من الزاد، فوجّه بعض من كان معه ليأخذ لهم بعض ما يحتاجون إليه. وجيء بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة وابن عمّه المعروف بالمدّثّر على بغل عماريّة وقد أسبل عليهما الغشاء ومعهما جماعة من الفرسان والرجّالة.
ورجعت الجيوش من الطلب بعد أن قتلوا وأسروا أكثر أولياء القرمطي وأشياعه. وفيها: ورشة المنيوم عصى الروزبهان على معز الدولة وانحاز إلى الأهواز ولحق به عامة من كان مع المهلبي الذي كان يحاربه، فلما بلغ ذلك معز الدولة لم يصدقه لأنه كان قد أحسن إليه ورفع من قدره بعد الضعة والخمول، ثم تبين له أن ذلك حق، فخرج لقتاله وتبعه الخليفة المطيع لله خوفا من ناصر الدولة بن حمدان فإنه قد بلغه أنه جهز جيشا مع ولده أبي المرجّا جابر إلى بغداد ليأخذها، فأرسل معز الدولة حاجبه سبكتكين إلى بغداد، وصمد معز الدولة إلى الروزبهان فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزمه معز الدولة وفرق أصحابه وأخذه أسيرا إلى بغداد فسجنه، ثم أخرجه ليلا وغرقه، لأن الديلم أرادوا إخراجه من السجن قهرا. ثم وقع من أصحاب هارون عصبيّة فاقتتلوا وخرج هارون يسكّنهم فرماه واحد برانة فقتله. كنا نجلس في حضرة القاضي أبي الحسين فجئنا يوما ننتظره على العادة فجلسنا عند سعر باب المنيوم للحمامه، وإذا أعرابي جالس كأن له حاجة إذ وقع غراب على نخلة في الدار، فصرخ ثم طار. فبينا هم كذلك إذ وافاهم جيش القرمطي صاحب الشامة وقد تقدّمهم المطوّق فكبسهم على تلك الحال، فقتل منهم خلقا كثيرا وانتهب العسكر، وأفلت أبو الأغرّ فدخل حلب، وأفلت معه ألف رجل وكانوا عشرة آلاف.
ثم إنّ المكتفي خلّف عساكره مع محمّد بن سليمان وشخص هو في خاصّته وغلمانه وشخص معه القاسم بن عبيد الله من الرقّة إلى بغداد وحمل معه القرمطي والمدّثّر والمطوّق وحمل من أسر في الوقعة، وذلك في أوّل صفر من هذه السنة. وفيها وجّه القاسم بن عبيد الله الجيوش إلى صاحب الشامة، وولّى حربه محمّد بن سليمان الكاتب وكان إليه ديوان الجيش، وضمّ إليه جميع القوّاد وكتب إلى من تقدّمه من القوّاد بالانضمام إليه وأن يسمع الجميع له ويطيعوه. ولمّا استتر الكرخي استحضر الراضي سليمان بن الحسن أبا القاسم فقلّده الوزارة والدواوين. ثم استأمن قوم من القرامطة إلى القاسم بن سيما خوفا من القاسم فقتلوا وأجريت لهم الأرزاق. وكان القرمطي قدّم أصحابه وتخلّف هو في جماعة من أصحابه لأجل حفظ مال كان جمعه وجعل سواده وراءه. هو ماء في غربي سلمى أحد الجبلين اللذين لطيء. وكتب محمّد بن سليمان بالفتح وكان المباشر للحرب وصاحب الظفر الحسين بن حمدان فقرّظه محمّد بن سليمان في كتاب الفتح وأثنى عليه وعلى أصحابه. وفي المحرّم منها صار محمّد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه.
« لو كنت مقيما بالحضرة لاستعنت بك وعملت ولكنّك خارج إلى الرقّة. وأدخل صاحب الشامة إلى الرقّة ظاهرا للناس على فالج وعليه برنس حرير ودرّاعة ديباج وبين يديه المدّثّر والمطوّق على جملين. ثم استسمج الهدم فعمل حينئذ كرسيّ نصب على ظهر الفيل وكان ارتفاع الكرسيّ ذراعين ونصفا ودخل المكتفي بغداد وقدّم الأسرى بين يديه على جمال مقيّدين عليهم دراريع حرير وبرانس حرير والمطوّق وسطهم غلام ما خرجت لحيته قد جعل في فيه خشبة مخروطة وشدّت إلى قفاه كهيئة اللجام، وذلك أنّه لمّا دخل الرقّة كان يشتم الناس إذا دعوا عليهم ويبصق عليهم، ففعل ذلك به ببغداد. فإن قال: ما أنام الليل كله وقد أهلكني الأرق قال: ورشة المنيوم الرياض وتدعك الكظة والنفخة والقرقرة أن تنام والله لو لم يكن إلا العطش الذي ينبه الناس لما نمت. فاستحسن الحاضرون منه ذلك، وعظم في أعين الناس. بنت القاضي أبي بكر بن أحمد بن كامل بن خلف بن شنخرة، أم الفتح، سمعت من محمد بن إسماعيل النصلاني وغيره، وعنها الأزهري والتنوخي وأبو يعلى بن الفراء وغيرهم، وأثنى عليها غير واحد في دينها وفضلها وسيادتها، وكان مولدها في رجب من سنة ثمان وتسعين، وتوفيت في رجب أيضا من هذه السنة عن ثنتين وتسعين سنة، رحمها الله تعالى. وسعيد بن جابر صحب الجنيد وكان في أيام الشبلي أيضا قال أبو عبد الرحمن السلمي هو من أقران محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى الأبهري كان مقيما بقزوين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكنى أبا عبد الله ويعرف بالصفار صحب أبا عبد الله الزراد وذكره السلمي، وعبد الواحد بن الحسن بن محمد بن خلف المقري الأبهري أبو نصر روى عن الدارقطني قال يحيى بن مندة قدم أصبهان سنة 443 كتب عنه جماعة من أهل بلدنا، وأبو علي الحسين بن عبد الرزاق بن الحسين الأبهري القاضي سمع أبا الفرج عبد الحميد بن الحسن بن محمد حدث عنه شيوخنا، وغير هؤلاء كثير.