فلمّا فاتهم ناصر الدولة اجتمعوا على تأمير تكين الشيرزاذى وقبضوا على أبي بكر ابن قرابة بعد أن نزل به مكروه عظيم وقبضوا على كتّاب ناصر الدولة وأسبابه وساروا يطلبونه واستأمن ينال كوسه ولؤلؤ إلى معز الدولة وأسرع ناصر الدولة في سيره فلم يلحقه الأتراك. « لمّا خرج من عندي ناصر الدولة ندمت على تركي القبض عليه وعلمت أنّى قد ضيّعت الحزم وأخطأت بعد أن فاتنى الصواب. وقبض معزّ الدولة على ينال كوسه وكان استحجبه وعلى أرسلان كور وعلى فتح اللشكري وحملهم إلى قلعة رامهرمز. وتأخرّ كوركير عن صحبة معزّ الدولة من غير موافقة وقيل: سعر متر النوافذ الالمنيوم إنّه في التدبير عليه، وعقد الرياسة لنفسه فوجّه إليه بأبي جعفر الصيمري فامتنع عليه وحاربه في داره فظفر به أبو جعفر وقبض عليه وصار به إلى معزّ الدولة فأنفذه إلى القلعة برامهرمز. وقبض معزّ الدولة على جميع قوّاد البريدي بالبصرة واستخرج أمواله وودائعه وقبض خزائنه وأحرق كل ما وجد له من آلات الماء من الشذاآت والطيارات والزبازب واستدعى لؤلؤا من بغداد فقلّده أعمال البصرة والحرب. وأنفذ القضاة مع ابن قرابة إلى معز الدولة لالتماس الصلح بغير موافقة منه للأتراك ولا علم منهم فلمّا علموا بذلك وظهر أمر الصلح اجتمع الأتراك للإيقاع به وأحسّ ناصر الدولة بذلك فخرج بالليل وعبر إلى خيمة ملهم.
هذا وأخوه ابناى وإنّما أريد الدنيا لهما، والله ما وافيت إلّا لأعقد ما بينهما أمر الرياسة حتى لا يجرى خلاف إن حدثت بي حادثة فإني عليل كما ترى واسأله أن يقدّم الكبير على نفسه كما جرت العادة وبارك الله له في بلاده ولو أراد بعض فارس لوهبته له ولقد أصبحت وأمسيت وما مناي على الله إلّا العافية وسلامتهما وإبقاؤهما فإنّهما أخواى بالنسب وابناي بالتربية وصنيعتاى بالولايات ومن لي غيرهما فيقدّر ما يقدّر. « سوءة لها، إن أنا تواضعت لهذه الحال من لي حتى أحتاج إلى استكثار البلاد وادّخار المال له؟ « أرغد عيش لي وأهناه أيّام مقامي ببغداد. وانحدر أبو جعفر الصيمري وموسى فياذه في الماء فملك مسماران ودخل دار البريدي بها بعد حرب يسيرة ووصل الخليفة والأمير معزّ الدولة إلى الدرهمية فاستأمن إليه جيش البريدي بأسره وهرب أبو القاسم البريدي إلى هجر وملك معزّ الدولة البصرة فأنحلت الأسعار كلّها ببغداد انحلالا شديدا. وقد تقدم ذلك في موضعه، ثم بعد ذلك لما آلت الخلافة إلى المعتضد تزوج بابنة اسعار الشبابيك خمارويه وتصافيا، فلما كان في ذي الحجة من هذه السنة عدا أحد الخدام من الخصيان على خمارويه فذبحه وهو على فراشه، وذلك أن خمارويه اتهمه بجارية له. فهرب بنو شيبان في البرّ مصعدين إلى نواحي الزوابي على رسمهم في الإجفال إذا طلبوا.
وفيها خرج لشكرورز بن سهلان في جيش إلى الأهواز ومعه عامل خراج وظهرت الوحشة بين الأمير معز الدولة وبين أبي القاسم البريدي. وفيها سار المطيع لله والأمير معز الدولة إلى البصرة وانتزعاها من يد أبي القاسم البريدي فسارا من واسط في البريّة على الطفوف فلمّا صاروا في البريّة ورد على الأمير معزّ الدولة رسول الهجريين القرامطة من هجر بكتاب منهم إليه بالإنكار عليه في سلوك البريّة من غير أمرهم إذ كانت لهم. ولمّا سار تكين الشيرزادى إلى سنجار في طلب ناصر الدولة سار من سنجار إلى الحديثة فتبعه تكين إلى الحديثة فلمّا قرب منه سار ناصر الدولة إلى السن وهناك لحق به جيش معز الدولة وأبو جعفر الصيمري وإصفهدوست فساروا بأسرهم إلى الحديثة للقاء تكين الشيرزادى. ففعلوا واعتزلوا وصبر الفريقان وحمل الأتراك حملات شديدة ثبت لها الديلم ثم وثبوا في وجوه الأتراك فلمّا ولّوا حمل عليهم العرب ووضعوا الرماح بين ظهورهم ونكّسوهم فأكثروا القتل والأسر. وفيها جرت وقعة بين أصحاب البريدي وبين أصحاب معزّ الدولة فكانت على البريدي وأسر منهم نحو مائتي رجل من وجوه الديلم. وفيها استولى الأمراء على مغلات البلاد وعجز السلطان مسعود ولم يبق له إلا الاسم وتضعضع أيضا أمر السلطان سنجر فسبحان مذل الجبابرة وتمكن الخليفة المفتفي وزادت حرمته وعلت كلمته وكان ذلك مبدأ صلاح الدولة العباسية فلله الحمد.
وفيها ورد أبو بكر ابن قرابة من عكبرا برسالة ناصر الدولة يلتمس فيها من معز الدولة الصلح وقد كان تردّد قبل هذه الوقعة مرات فتقرّر أمر الصلح على أن يكون في يد ناصر الدولة من حد تكريت إلى فوق ويضاف إلى أعماله مصر والشام على أن لا يحمل عن الموصل وديار ربيعة شيئا ممّا كان يحمله من المال ويكون الذي يحمله عن مصر والشام ما كان يحمله الأخشيد محمّد بن طغج عنهما وعلى أن يدرّ ناصر الدولة الميرة إلى بغداد ولا تؤخذ لها ضريبة، وحلف معز الدولة بحضرة الخليفة والقضاة على ذلك والوفاء به. « أنت تعمل أعمال الديوان منذ نشأت وقد وليت ديوان المغرب سنين كثيرة ثم تولّيت الوزارة ودبّرت أمر المملكة مدّة طويلة هل رأيت من يدع مالا واجبا يؤدّى معجّلا ويأخذ عوضا منه مالا مؤجّلا يحال به على ضمان، وهبك أغضيت كما ذكرت ورأيت ذلك صوابا في التدبير، فهل استوفيت مال هذا الضمان من هذا الضامن في مدّة خمس سنين دبّرت فيها المملكة؟