وفيها نفذت حيلة القاهر على مونس المظفّر وانعكس ما دبّره الوزير أبو عليّ ابن مقلة من القبض على القاهر حتى قبض على مونس ويلبق وابنه وهرب أبو عليّ بن مقلة والحسن بن هارون. واجتمع رأى مونس ويلبق وابنه والوزير أبي عليّ على الإيقاع بمحمّد بن ياقوت والنداء في أصحابه ألّا يقيموا ببغداد. فركب أحمد بن خاقان في طلب القوم فظفر بواحد منهم وقرّره فأقرّ على جماعة ظفر ببعضهم ووجد اليسير من المال وقتل من وجد من هؤلاء الكبّاسين. وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر من ليلته واستتر الحسن بن هارون وأبو بكر ابن قرابة وانحدر يلبق إلى دار السلطان وانحدر بانحداره جميع من حضر دار مونس من القوّاد وقدّر يلبق أنّه يمسح القاهر ويعتذر لابنه فلمّا حصل في الدار قبض عليه وحبس وقبض على أحمد بن زيرك وعلى يمن الأعور صاحب الشرطة وحصل الجيش كلّه في دار السلطان. فلمّا حصل عنده أمر بتحصيله في الزورق. فلمّا حصل في الدار قبض عليه وحبس. « إنّ القرمطي الهجري المعروف بأبي طاهر قد وافى الكوفة في ثلاثة آلاف راحلة فنزلها وسقط عليّ من عامل الخراج وعلى عليّ بن يلبق من عامل المعونة طائران بكتابين بتاريخ يومنا هذا بنزوله ونزول أصحابه بها وأنّى أنا ويلبق سترنا ذلك عن القوّاد والجند وخواصّ الدولة لئلّا يذيع الخبر وتضعف قلوب الأولياء وقد اتفقت مع مونس على إخراج عليّ بن يلبق مع أكثر قوّاده وقوّاد أبيه إلى نواحي الكوفة ليدفع القرمطي عن الرحيل منها إلى بغداد وهو يخرج في سحر غد مارّا إلى صرصر من حيث لا يضرب بباب بغداد مضربا حتى يلحق به الرجال.
« قد وافى صديقك القرمطي إلى الكوفة في ثلاثة آلاف راحلة ومعه صاحبه فلان ودخل الكوفة ونادى بأنّه قد آمن الرعيّة سوى أصحاب المعروف بمحمّد المتلقّب بالقاهر. وكانت اختيار هذه تخرج من دار السلطان إلى دار القاهر القديمة التي في دار ابن طاهر وتظهر أنّ خروجها في حوائج حرم القاهر وولده، فإذا كان بالليل صارت إلى محمّد بن القاسم ولقيته. كان بنو البريدي بعد استتار ابن مقلة والجماعة استتروا فقلّد الوزير مكانهم على أعمالهم أبا جعفر محمّد بن القاسم الكرخي فتوسّط إسحاق بن إسماعيل أمرهم فأخذ لهم أمانا من الوزير حتى ظهروا. ابحث عن العروض والتخفيضات: ورشة المنيوم كثيرًا ما تقدم الشركات المصنعة والتجار عروضًا وتخفيضات على المطابخ. « أنت عندي كالوالد وما أحبّ أن أعمل شيئا ولا أمضى عزما إلّا عن رأيك. « الحجبة إلينا والدار في أيدينا وما نحتاج أن نستعين بأحد في القبض عليه لأنّه بمنزلة طائر في قفص. وهو أول من سكنها من الخلفاء إلى آخر دولتهم، وكانت أولا دارا للحسن بن سهل تعرف بالقصر الحسني، ثم صارت بعد ذلك لابنته بوران زوجة المأمون، فعمرتها حتى استنزلها المعتضد عنها فأجابته إلى ذلك، ثم أصلحت ما وهى منها، ورممت ما كان قد تشعث فيها، وفرشتها بأنواع الفرش في كل موضع منها ما يليق به من المفارش، وأسكنته ما يليق به من الجواري والخدم، وأعدت بها المآكل الشهية وما يحسن ادخاره في ذلك الزمان، ثم أرسلت مفاتيحها إلى المعتضد فلما دخلها هاله ما رأى من الخيرات، ثم وسعها وزاد فيها وجعل لها سورا حولها، وكانت قدر مدينة شيراز، وبنى الميدان ثم بنى فيها قصرا مشرفا على دجلة، ثم بنى فيها المكتفي التاج.
فلمّا رءاهما لعن قاتلهما فأمر به فجرّ برجله إلى البالوعة وذبح كما يذبح الشاة والقاهر يراه وأخرجت الرؤوس الثلاثة في ثلاث طسّات إلى الميدان حتى شاهدها الناس وطيف برأس عليّ بن يلبق في جانبي بغداد ثم ردّ إلى دار السلطان وجعل مع سائر الرؤوس في خزانة الرؤوس على الرسم. فاتّفق أن تأخّر بعض الرجال لطلب شيء يأخذه من الدار فانتهى إلى التنور وطلب فيه خبزا يابسا، فلمّا كشفه وجد عليّ بن يلبق فصاح حتى رجع القوم وأخذوه وحملوه إلى دار السلطان وضرب بحضرة القاهر ضربا مبرحا فأقرّ بعشرة آلاف دينار فوجدت وصحّحت في بيت المال ثم أعيد الضرب عليه فلم يوجد له غيرها وحبس. فقالت: تردني إلى بغداد حتى أغني بهذه الأبيات، فوجم لذلك ثم لم يجد بدا من الوفاء لها بما سألت، فأرسلها مع بعض أصحابه فأحجبها ثم سار بها على طريق العراق، فلما أمسوا في الليلة التي يدخلون فيها بغداد من صبيحتها، ذهبت في الليل فلم يدر أين ذهبت، فلما سمع تميم خبرها شق عليه ذلك وتألم ألما شديدا، وندم ندما شديدا حيث لا ينفعه الندم. فوقفت والدته على خبره فجاءت حتى وقفت له على شاطئ دجلة في الموضع الذي ينزل منه إلى طيّارة وهناك خلق من الناس، فاستغاثت إليه وكشفت شعرها بين يديه وأظهرت ثديها وحلّفته بكلّ حقّ لها عليه أن يطلق ابنها، فلم يلتفت إليها ولا يفكر فيها وجلس في طيّاره وانحدر إلى دار السلطان فلم يبق أحد ممّن حضر إلّا استقبح فعله ودعا عليه وذهب.
ودخل القاهر إلى الموضع الذي كان فيه مونس ويلبق وابنه معتقلين فذبح عليّ بن يلبق بحضرته ووجّه برأسه إلى أبيه. فراسل القاهر الساجيّة وهزّ بهم على مونس ويلبق وضمن لهما أن ينقلهم إلى رسم الحجريّة - وكان الساجيّة يقبضون في كلّ ستين يوما برسم المماليك، والحجريّة يقبضون في كلّ خمسين يوما - وأن يلحقهم في النزل والعلوفة بالحجريّة. قالوا: فاحلف لنا على ذلك، قال: أما اليمين فإني أبذلها لكم، ولكن أدخرها لكم حتى تكون بحضرة الهاشميين والقضاة والمعدلين وأصحاب المراتب في غد إذا صليت صلاة الجمعة. وكان قد استخلف على مصر ابنه العباس، فلما بلغه قدوم أبيه عليه من الشام أخذ ما كان في بيت المال من الحواصل، ووازره جماعة على ذلك، ثم ساروا إلى برقة خارجا عن طاعة أبيه، فبعث إليه من أخذه ذليلا حقيرا، وردوه إلى مصر فحبسه وقتل جماعة من أصحابه. وفيها همّ عليّ بن يلبق والحسن بن هارون كاتبه بلعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر فاضطربت العامّة من ذلك وتقدّم عليّ بن يلبق بالقبض على البربهارى رئيس الحنبليّة فنذر به وهرب وقبض على جماعة من كبار أصحابه وجعلوا في زورق مطبق وأحدروا إلى البصرة. وفيها خرج أمر القاهر بتحريم القيان والخمر وسائر الأنبذة وقبض على من عرف بالغناء من الرجال والمخانيث والجواري المغنّيات فنفى بعضهم إلى البصرة وبعضهم إلى الكوفة وبيع الجواري على أنهنّ سواذج.