فذكر أنّ عليّ بن عيسى كتب إلى الحسن بن عبد الله بن حمدان بخطّه عن أمير المؤمنين الراضي بالله بالانفراج عن ضمانه وألّا يحمل شيئا إلى الحضرة من ماله وأن يمنع من حمل الميرة إلى بغداد فأخذ أبو عليّ ابن مقلة خطّة بذلك وأحضر جماعة من الشهود حتى شهدوا عليه. اللهم إلّا أن يتوسّط أبو الحسن عليّ بن عيسى بيني وبينه ويضمن لي عنه فاسكن إلى ذلك وأقبله. وورد الخبر بذلك إلى الراضي فأنكره وتقدّم إلى الوزير أبي عليّ بالتأهّب للخروج إلى الموصل والإيقاع بالحسن بن عبد الله بن حمدان والنائب عنه بالحضرة. وكان الوزير أبو عليّ كتب إلى الوزير ابنه قبل أن ينحدر من الموصل بإزالة التوكيل عن أبي الحسن عليّ بن عيسى وأن يكتب إليه أجمل خطاب ويخيّره بين الانصراف إلى مدينة السلام وبين المقام بالصافية، فكتب إليه الوزير أبو الحسين بذلك. وفيها خرج توقيع الراضي بالله بأن تكون المخاطبة والمكاتبة من جميع الناس لأبي الحسين عليّ بن محمّد بن مقلة بالوزارة وكان سنّة إذ ذاك ثماني عشرة سنة وأن يكون الناظر في الأمور صغيرها وكبيرها وتقدّم إلى جميع أصحاب الدواوين بذلك وخلع على أبي الحسين خلع الوزارة وخوطب بها وحمل على شهري وانصرف من دار السلطان على الظهر ومعه القوّاد والجيش والخدم وأصحاب الدواوين.
فقال: أعوذ بالله فقيل ولم؟ « ما مرّ لي عيش أطيب من عيشي مع البريدي فإني أقمت عنده نحو سنة غير متصرّف ولا داخل تحت تبعة ولا تعب بنظر في عمل ولقد عاشرنى أجمل عشرة ووصل إليّ منه عينا وورقا ومن قيمة العروض التي أنفذها إليّ خمسة وثلاثون ألف دينار ولم أخرج من الأهواز إلّا وأنا متقلّد كتابة ابن رائق وقد كفيت أمر ابن مقلة بالقبض عليه وكان غير مأمون. فلمّا وافاها شيرج بن ليلى الديلمي من قبل مرداويج خرج إلى البصرة بعد هزيمة ياقوت وغلامه مونس كما كتبناه قبل وأقام يدبّر أسافل الأهواز إلى أن قرر له محمّد كتابة ابنه. وادّعيا أنّ مال سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة احتمله شيرج بن ليلى وأنّ النواحي معطّلة الارتفاع في السنة التي بعدها فأنفذ أبو عليّ ابن مقلة ابن عينويه لكشف ذلك وطابقهما وكتب يصدّقهما. ولد في رمضان سنة ست وأربعين ومائتين، وتوفي بقرطبة يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى من هذه السنة. فلمّا كان من غد وهو يوم الأربعاء انحدر الوزير أبو عليّ إلى دار السلطان وانصرف إلى منزله. أندرين: تفصيل زجاج طاولات بالفتح ثم السكون وفتح الدال وكسر الراء وياء ساكنة ونون هو بهذه الصيغة بجملتها اسم قرية في جنوبي حلب بينهما مسيرة يوم للراكب في طرف البرية ليس بعدها عمارة وهي الآن خراب ليس بها إلا بقية الجدران وإياها عنى عمرو بن كلثوم.
وما زالت المراسلات تتردد بينهما إلى أن ألزمه أبو عليّ مصادرة خمسين ألف دينار على أن يجعل في باب أبي جعفر بن شيرزاد صاحب ديوان النفقات للأتراك عشرة آلاف دينار وتؤخذ منه عقار وضياع بعشرة آلاف دينار فالتزم أبو الحسن ذلك. فيقال: ورشة المنيوم إنّ طليبا الهاشمي كان قال لعليّ بن عيسى عن الراضي بالله أن يكاتب الحسن بن عبد الله عنه ويتوسّط بينهما على أن يحمل إليه سرّا سبعين ألف دينار في نجوم، وشرط عليه الحسين أن يحميه ويمنع منه ومن تشعيث أمره ويقرّه على ضمانه ولا يقبل زيادة عليه فحمل بعض تلك النجوم وأخّر باقيها وأنكر الخليفة كلّ ما جرى في هذا الباب وذكر أنّه لم يصل إليه شيء. وقبل شخوصه أطلق أبا الحسن عليّ بن عيسى وأخرجه إلى ضيعته بالصافية وأحلفه على أنّه لا يسعى في مكروهه ولا يتكلّم فيه بما يقدح في حاله ولا فيما يفسد أمره ولا يسعى في الوزارة لنفسه ولا لغيره من سائر الناس. وانصرف أبو عليّ في طيّاره إلى منزله وصار إليه ابنه بالخلع وطرح له مصلّى في مجلس أبيه ودخل الناس معه وهنّئوا أبا عليّ وأنشده الشعراء وأمر أبو الحسين ونهى ووقع وصار طرح المصلّى في مجلس أبيه رسما له. ولكنهم أسوأ الناس حالاً.
وكان يقول: ورشة المنيوم ليس يفسد الناس إلا الناس: هذا الذي يتكلم بالكلام البارد وبالطرف المستنكرة لو لم يصب من يضحك له وبعض من يشكره ويتضاحك له - أوليس هو عنده إلا أن يظهر العجب له - لما تكلف النوادر. ألحق الله ابنه به فإنّه شرّ منه لأنّ ما كان في أبيه فهو فيه من وقاحة وقساوة وخسّة وكان الأب على عيوبه ربّما رحم وأكرم على حاشيته وأهل داره دون الغرباء ولكنّ هذا ناصر الدولة مجتهد في أن يغرّه ويحصّله وإن حصل رجوت أن يسمله، فإنّ في نفسه عليه وعلى ابنه العظائم. وزعمت أن كسب الحلال مضمن بالإنفاق في الحلال وأن الخبيث ينزع إلى الخبيث وأن الطيب يدعو إلى الطيب وأن الإنفاق في الهوى حجاب دون الحقوق وأن الإنفاق في الحقوق حجاز دون الهوى. وفيها قتل الحسن بن عبد الله بن حمدان عمّه أبا العلاء سعيد بن حمدان وخرج لذلك أبو عليّ ابن مقلة إلى الموصل. منها أبو الفتح عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عثمان الأيغاني العثماني سمع جامع الترمذي من القاضي أبي سعيد محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس وكان مولده في حدود سنة 470 ووفاته في سنة 546 أو 547، وأبو عمر الفضل بن أحمد بن منويه بن كاكويه الصوفي الأيغاني روى عن أبي عامر الحسن بن محمد بن علي القومسي روى عنه أبو الفتح مسعود بن محمد بن سعيد المسعودي سنة 561 بشاذياخ.